موسوس، كلمة يسمعها كلما ذهب لمكان فى العمل والمنزل يرددها كل من حوله، وفى أثناء جلوسه مع أصدقائه وبين أفراد أسرته يسمعها أيضا، سأل نفسه كثيرا ما المشكلة فى أنى أغسل يدى عشرات المرات فى اليوم، وأتأكد من غلق الغاز والكهرباء عدة مرات وأحافظ على نفسى من العدوى. فمن هذه الحالة يبدو أن هذا الشخص مصاب بالوسواس القهرى وهو يدرك ذلك ولكنه لا يستطع أن يقوم الشعور بالوساوس.
يقول الدكتور مجدى عرفة أستاذ علم النفس بطب قصر العينى: إن الوسواس القهرى عبارة عن فكرة متسلطة تسيطر وتلح على تفكير الشخص الذى يعانى منها، وتدفعه لسلوك معين لتخفيف التوتر الداخلى، فمثلا الفرد الذى يعانى من وسواسا قهريا يتمثل فى غسل اليد ثم معاودة غسلها مرة أخرى ويكرر ذلك لعدد يمكن أن يصل إلى عشرات المرات، وهذا غير طبيعى.
والمريض بالوسواس القهرى يكون واعيا لأفعاله ويدرك أن يده فعلا أصبحت نظيفة لكنه فى نفس الوقت لا يستطيع أن يقاوم رغبته الشديدة والملحة فى غسل اليد مرة أخرى و يدرك معظم الأشخاص المصابون بالوسواس القهري أن وساوسهم تأتي من عقولهم ووليدة أفكارهم وأنها ليست حالة قلق زائد بشأن مشاكل حقيقية فى الحياة، وأن الأعمال القهرية التي يقومون بها هي أعمال زائدة على الحد وغير معقولة.
وعندما لا يدرك الشخص المصاب بالوسواس القهري أن مفاهيمه وأعماله غير عقلانية، يُسمى هذا المرض بالوسواس القهري المصحوب بضعف البصيرة.
مرض يرتبط بالمخ
ولكن الوسواس القهرى يتدخل ويؤثر فى حياة الفرد وأعماله الاعتيادية وقد يعيقه تماما عن العمل، وكأن العقل عند مريض الوسواس القهرى التصق بفكرة معينة أو دافع ما وأن العقل لا يريد أن يترك هذه الفكرة أو هذا الدافع، والوسواس القهرى مرتبط أيضا بالمخ ويسبب مشكلات في معالجة المعلومات التي تصل إلى المخ، وعادة يحس المرضى بالخجل من القيام بالأعمال القهرية والتفكير في الأشياء الغريبة بالإضافة إلى الخوف من اعتبارهم غريبي الأطوار أو مجانين.
وتم العثور على وثائق تدل على وجود مرض الوسواس القهري عبر القرون السابقة. وفي الماضي كان يتم كتمان مرض الوسواس القهري عن الأطباء والعاملين الآخرين في مجال الصحة النفسية.
ولكن بعد ظهور الطرق الحديثة للعلاج، تقدم المزيد من الأشخاص للعلاج من مرض الوسواس القهرى، وهذا الشك الناتج عن الوسواس القهرى يختلف عن أنواع أخرى من الشك مثل شك البارانويا والذى يشعر فيه المريض بالخوف والشك فى أن الآخرين ومن حوله يريد إيذاءه.
تشخيص المرض
ويمكن أن يبدأ مرض الوسواس القهري في أية سن بداية من مرحلة ما قبل المدرسة وحتى سن النضج (وعادة ما يبدأ في سن الأربعين). وقد أبلغ حوالي نصف المصابين بمرض الوسواس القهري أن حالتهم بدأت خلال الطفولة. وللأسف لا يتم تشخيص حالة الوسواس القهري في وقت مبكر.
وفي المتوسط يذهب مرضى الوسواس القهري إلى ثلاثة أو أربعة أطباء ويقضون أكثر من تسعة أعوام وهم يسعون للعلاج قبل أن يتم تشخيص حالتهم بشكل صحيح. وقد كشفت الدراسات كذلك أنه في المتوسط يمر 17 عامًا منذ بداية المرض قبل أن يتلقى الأشخاص المصابين بالوسواس القهري العلاج الصحيح.
نوع من القلق
ويقول الدكتور سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسى بطب القاهرة: إن الوساوس المرضية تعتبر نوعا من القلق الذى حيث يعانى المريض فيه من إعادة تكرار فكرة ملحة على العقل رغم معرفة المريض أنها فكرة خاطئة مثل الوسوسة من النظافة ويتفرغ فيها المريض للغسيل المتكرر ليديه ولما حوله، وهناك الوسواس من رؤية الدم أو إغلاق مفتاح الغاز أو الباب.
وإذا قاوم المريض الفكرة يشعر بالقلق الشديد ولا يزول القلق إلا بالقيام بالفعل سواء غسل اليد أو إعادة التأكد من غلق مفتاح الغاز ثم تكرر الفكرة ويتكرر الفعل حتى يشعر المريض بالتعب الشديد والنوم، وهذا النوع من القلق يختلف عن القلق العام.
وأسبابه غير محددة بدقة حيث يشعر الفرد بعدم الراحة والخوف المستمر، وهناك نوبات القلق والهلع وهى نوبات تصيب المريض بشكل حاد ومكثف وتستغرق النوبة من 10 إلى 15 دقيقة يشعر فيها المريض بالخوف الشديد وأن الموت قادم أو أنه على وشك أن يفقد عقله، مع أعراض عضوية عنيفة مثل الدوار والإحساس بالاختناق وفقدان التوازن، ويصل الأمر إلى اعتقاد المريض وأسرته أن مريضهم يحتضر ونجد هذا النوع من مرضى القلق فى غرف الإنعاش والعناية المركزة وليس فى عيادات الطب النفسى.
وهناك نوع أخر من القلق هو المخاوف ويختلف عن الخوف الطبيعى، مثل الخوف من الأماكن المغلقة، أو المرتفعة أو الأماكن المزدحمة وكلها مخاوف غير طبيعية وبمجرد تعرض المريض لما يثير مخاوفه يصاب بالعرق الغزير والدوار وارتفاع ضغط الدم ورعشة وإحساس بالاختناق.
أسباب الوسواس القهرى
وعن أسباب الوسواس القهرى يوضح الدكتور عبد العظيم أن المرض يمكن أن يكون لها استعداد وراثى فى بعض الحالات إلا أن ظهور المرض فيها يحدث نتيجة ظروف بيئية معينة، منها وجود توتر أسرى والعيش فى خوف، فالتعرض لظروف وعوامل سلبية فى الطفولة ودرجات عالية من القلق يمكن أن يتحول هذا إلى وسواس قهرى مع الكبر.
تطور المرض
ويوضح الدكتور عرفة أن مرض الوسواس القهرى لا يتطور لسلوك عدوانى يضر بالآخرين، فالمرض يعد من طائفة الأمراض العصابية، لكن خطورة المرض تتمثل فى أن المريض يسبب معانة نفسية له ولمن حوله.
وفى بعض الحالات يمكن أن يصاحب الاكتئاب الوسواس القهرى، وتتمثل أعراض الاكتئاب فى فقدان الشهية و الوزن، والاستيقاظ في الصباح الباكر، ونقص الطاقة، وكثرة النوم، بالإضافة إلى الشعور بالحزن، والبكاء خاصة مع عدم وجود سبب الأفكار الانتحارية، إلى جانب الإحساس بعدم وجود أمل، الإحساس بالعجز، وفقدان الاهتمام بمعظم الأنشطة.
العلاج دوائى وسلوكى
ويضيف الدكتور عرفة أن المريض يحتاج إلى نوعين من العلاج الأول هو العلاج الدوائى، والثانى هو العلاج النفسى، فبالنسبة للأول فيتمثل فى إعطاء المريض بعض العقاقير التى تساعده على التحكم فى وساوسه، وهذه الأدوية تشتمل على موادا مضادة للقلق والتوتر الذى ينتج منه الوسواس القهرى.
أما النوع الثانى من العلاج الذى يتمثل فى العلاج السلوكى النفسى فيتم من خلال تدريب المريض على بعض الأساليب الفنية التى تساعده على الامتناع عن التفكير فى الوساوس، أو أن يؤدى الفعل الوسواسى بشكل مبالغ فيه يوصله إلى أن يكره هذا الفعل، فيمتنع عن القيام به حتى لا يشعر بالإجهاد.
تدعيم الأسرة
ولكى يأتى العلاج بثماره لابد أن يبتعد المصاب بالوسواس القهرى عن الظروف التى تسبب له العصبية والضيق، فحالات مرض الوسواس القهري تسوء خلال الفترات التي يكثر فيها الضغط العصبي، مع الملاحظة أن الضغط العصبى لا يسبب الوسواس القهري ولكن وجود فترة ضغط عصبي شديد مثل موت شخص محبوب أو ميلاد طفل أو حدوث طلاق قد يظهر بداية هذا المرض أو يتسبب في انتكاس حالة المصاب.
كما ينبغى على الأسرة ألا تزيد من توتره وقلقه وأن تحاول إبعاده بقدر الإمكان عن الوساوس وعن التفكير فيها.
منقول